الاستثمار في السجون والسجناء – بين الواقع والمأمول

اسلام الجنجيهي

العام - القانون الجنائي - الحقوق - الإسكندرية

الملخص

إن الاستثمار الأمثل لكل مهتم بالاستثمار يكمن في المخاطر التي يواجهها المستثمر، فكلما كانت المخاطر قليلة، كلما زاد الحد الاستثماري وتوسع أكثر فأكثر. وعند ذكر السجون ينظر الجميع نظرة واحدة وهي المؤسسة العقابية التي تأوي المحكوم عليهم. هذه النظرة مقبولة إلى حد كبير، لكننا ومع التطور الهائل في العقل البشري، ومع توافر التكنولوجيا الهائلة، ومع حرص الإنسان الدائم على استغلال كل ما يمكن استغلاله من أجل كسب المال وتطوير ذاته، جاءت المؤسسات العقابية من منطلق آخر لدى بعض الدول، ولدى بعض المستثمرين. فقد رأى البعض أن المؤسسات العقابية وما تحويها من أفراد وأراض ومبان وأجهزة وآلات، تلك المؤسسات يجب استغلالها أفضل استغلال، واستثمارها أفضل استثمار، عبر طرحها في السوق الخاص بضوابط محددة تحت إشراف الدولة. ليس هذا فحسب، بل وباستغلال السجناء كأحد الأيدي العاملة الشاغرة ذات الطاقة المهولة التي تحتاج إلى تفريغ كامل، فلا انشغال بغير العمل، ولا البحث عن عمل آخر، ولا إعالة أحد غير أنفسهم، بل ومحاولة إثبات الذات وهو أمر محمود في العامل. هذا الأمر يلقى أهمية كبيرة لدى بعض المستثمرين خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية. الأمر الذي يمكن إيجاده في مصر وبعض الدول العربية لكن بمنظور آخر، وهنا الحديث عن بدائل العقوبات السالبة للحرية التي تطبقها بعض الدول، عن طريق تشغيل المحكوم عليهم. لكن الحديث هنا عن قطاع خاص للسجون، بحيث يستطيع المستثمر بناء سجن خاص يحتوي على مصانع وورش خاصة، يقوم من خلالها باستغلال السجناء الذين يحولون إليه من قبل السلطة المختصة، مقابل مبلغ مالي دوري تقوم بدفعه الدولة لهذا المستثمر. والحديث هنا بالطبع بعيد كل البعد عن المجرمين شديدي الخطورة والمحكوم عليهم بأشد أنواع العقوبات كالإعدام، بل الحديث هنا يدق بالنسبة للمحكوم عليهم غير معتادي الإجرام من ناحية، والذين ارتكبوا الجرائم البسيطة التي لا تضر كلية بالأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة من ناحية أخرى. هذا كله نجد ثمرته ولو بنسبة قليلة في بعض الدول، بحيث يخرج السجناء للعمل في المصانع المخصصة ويصرف لهم مستحقات مالية تعوض أسرهم. ولكن الخطورة تكمن في تحول هذا الأمر إلى استعباد للسجين، كما هو الحال في النظام الصيني المعروف بـ "لاو جاي" فعمل السجين وإنتاجه في نظرهم هو جزء من عقاب وليس جزءًا من الإصلاح، فلا يستحق عليه الأجر وإنما الأجر لإدارة السجن أو غيرها . والاستثمار في قطاع السجون يكون في الإمكانات البشرية أو المادية والمعنوية، ومن أهمها تشغيل عدد من الإصلاحيات النموذجية المطورة، مع تدريب متخصص في السجون على كفاءة الأداء، وزيادة كفاءة العاملين، وعلى الدولة دور كبير في تهيئة هذا الجو الاستثماري، كذلك على الإعلام دور كبير في تحسين الصورة الذهنية في المنظمات الأمنية من خلال العمل على تغيير المفاهيم الخاطئة عن طبيعة عمل تلك المنظمات، إضافة إلى إيضاح مهامها وآليات عملها والمساعدة البناءة في زيادة الاستثمار فيها. وبالنظر في التجارب الأمريكية في تخصيص السجون، وتحديدًا في ولاية تكساس التي طبقت التجربة على نطاق واسع على أساس أنها تقدم البديل الأكثر كفاءة للنظام الحكومي. حيث تفترض تلك التجربة ان السجون الخاصة تجلب بعض الدخل والوظائف للمدن التي تستضيفها، ولكن التجربة شابها أيضــًا العديد من العيوب والانتقادات. وهو الأمر الذي سوف أقوم بطرحه في ذلك البحث بشيء من التفصيل. هذا كله جعل البعض يقول أن المستثمر قريبــًا عليه أن يختار بين شراء وحدة عقارية في فندق فاخر يأوي سياحــًا في منطقة طبيعية خلابة، أو زنزانة في سجنٍ خاص تحوي مساجين خطرين. والقرار يعتمد على العوائد التي تزيد في شقها الرأسمالي في حالات الأصول الفاخرة وتزيد في سيولتها وعوائدها الدورية في حالات السجون، والاختيار في النهاية هو للمستثمر.

الكلمات الدالة

"المستثمر" ، "المؤسسات الإصلاحية" ، "المؤسسات العقابية" ، "الأيدي العاملة" ، "الإنتاج" ، "السجون" ، "السجناء".